المساواة في تقسيم الميراث، ماذا يقلق المسلمين؟



© Le contenu de ce site est protégé par les droits d’auteurs. Merci de citer la source et l'auteure en cas de partage.

Lire le texte en français

إن مساواة في الميراث بين الرجل والمرأة مسألة مبدأ وكذلك يجب أن تكون. لقد بلغت الإنسانية مرحلة من تاريخها تكون فيه المساوات بين المرأة والرجل في الحقوق أمر بديهي لا نقاش فيه لقيام العدالة الاجتماعية. كل تفاوت على أساس الجنس هو تمييز لا يجب أن يكون أو يقبل.

يعارض المحافظون من المسلمين المساواة في توزيع الميراث بحجة الدين داعيين أن المساواة في توزيع الميراث تتعارض مع الدين. لذلك ففي المجتمعات الإسلامية، حيث يستغل المحافظون حاجة الأفراد إلى الاطمئنان على دينهم لمعارضة أي تطور للمجتمع يجعل الحديث عن العدالة في توزيع الميراث الذي يتركز فقط على حقوق الإنسان ومبدأ المساواة إذا كان أمرا أساسيا وهاما، غير كاف. استجواب الخطاب الديني في هذه الحالة يكون مهما.

 يقدم المحافظون والأصوليون لتبرير رفضهم للمساواة بين المرأة والرجل في الميراث حجتين أساسيتان: في الأولي يؤكدون أن قانون الميراث مذكور في نصوص قرآنية واضحة. ولذلك، فهي قاعدة لا يمكن إلغاؤها أو تعديلها. ومن أراد ذلك فهو يعارض إرادة الله. بالنسبة إلى يوسف القرضاوي، إن إلغاء قانون عدم المساواة في الميراث يعني “إلغاء شريعة الله وإيجاد شريعة أخرى بدلا منها. بمعنى أن نعطي الإنسان الحق في تصحيح الله وانتقاد أوامره يترك ما يحب ويلغى ما يريد.”

الحجة الثانية وهي في الواقع تبريرا للأولى و تدل على رغبة من طرف الخطاب الديني في اعطاء التوزيع الغير العادل للميراث صورة ا واقعية وعقلانية و غايتها أن تقنع المسلمين أن هذا التقسيم الغير العادل للميراث بين الرجال والنساء يستجيب بشكل كامل للدور الاجتماعي لكلا الجنسين. لذلك فهم يقولون أن المجتمع لا يطلب من المرأة أن تكون مسؤولة ماليا على والديها، ولا على أطفالها، بل حتى على نفسها. بل إن هذه المسؤولية تقع على عاتق الرجل فقط. لذلك من الطبيعي أن يحتاج الرجل إلى وسائل مالية أكثر من المرأة لكي يقوم بواجبه الاجتماعي. وهم يصرون على أنه إذا كانت المرأة تحصل على نصف حصة الرجل فهذا ليس تمييزًا أو ظلمًا في حقها لأن العدالة لا تعني منح حصص متساوية للجميع، بل إعطاء كل واحد حسب احتياجاته وجهوده.

حجتين غير صحيحتين

بالنسبة للحجة الأولى يعرف جميع المسلمين، حتى وإن كانوا ينسون ذلك في الكثير من الأحيان، أن هناك الكثير من الأحكام الواردة في القرآن التي لا يطبقها المسلمين أو التي طبقوها ثم ألغوها. الإلغاء مبدأ معروف منذ بداية تاريخ الإسلام وليس غريب عنه. والمثال الأكثر شهرة لهذا تلك الآية 105 من سورة 5 المائدة التي تعترف بالحرية الفردية للشخاص التي لم يأخذها المشرع بعين الاعتبار وكذلك التي تسمح بشرب الخمر و تتعلق بقطع اليد السارق المذكور في الآية 38 من سورة 5، المائدة. اليوم، ما عدا بعض الدول ذات الحكم الأصولي المتطرف وبعض الجماعات الأصولية، فإن الحكم بقطع يد السارق ليس مطبقا.

حسب الخطاب الديني فإن الخليفة الثاني، عمر، هو الذي ألغى حكم قطع اليد مبررين ذلك بعدالة عمر الذي اعتبر، مثلما يقولون، أن تغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية يستلزم تغير القانون. أي أن القانون يحب أن يواكب تغير المجتمعات وظروفها. ويضيف المؤرخون أن الخليفة عمر ألغى كذلك حصة الصدقات المخصصة لغير المسلمين رغم أنها واردة في سورة التوبة الآية 60. “بالنسبة للمفسرين، الذين يفسرون الآيات وفقًا لسياق نزولها، فقد برروا هذه الحصة من الصدقة بضرورة جلب مودة غير المسلمين الذين يعيشون داخل المجتمع الإسلامي. ولكن عندما استقر الوضع الاجتماعي والعسكري للمسلمين ولم يعد دعم غير المسلمين للمسلمين ضروريًا، رأى عمر أن هذه الصدقة لم يعد لوجودها أي سبب فألغى هذا الحكم، مع أنه قرآني». رزيقة عدناني من كتابها” إسلام: ما المشكلة؟ تحديات التجديد” ص 18.

يعتبر البعض إنه لا يجوز للمسلمين أن ينسخوا إلا ما نسخه المسلمون الأولون. والمسلمون الأوائل لم يلغوا الحكم الغير العادل للميراث بين المرأة والرجل. هذه الحجة ليست مقنعة أيضاً، لأن العبودية والقواعد التي تقننها لم تُلغ إلا في العصر الحديث. ألغها المسلمون على الرغم من أنها مذكورة في النصوص القرآنية ومنصوص عليها في شريعة الفقهاء.  لا يوجد اليوم أية دولة في قانونها بالعبودية. ألغى المسلمون العبودية بين القرن التاسع عشر و بداية العشرين و أكد الخطاب الديني  أن العبودية لا تتناسب مع قيم الإنسانية الحديثة و كذلك حرصوا على شرح لماذا إلغائها كان ضروريا. هكذا كتب محمد قطب في كتابه شبهات حول الإسلام: “… يجب علينا أن نفهم الحقائق الاجتماعية والنفسية والسياسية التي أحاطت بموضوع العبيد وجعلت الإسلام يضع المبادئ التي تسمح إلغاء العبيد”.

لقد أحاط المسلمون قرارهم بعدم تطبيق بعض الأحكام القرآنية بمبادئ تمنحه المشروعية أهمها مبدأ الناسخ المنسوخ الذي مكنهم من إلغاء الكثير من التوصيات القرآنية. وعلى هذا فإن لا يكفي إن يذكر الحكم في القرآن لتم تطبيقه. وفعلا لا يطبق المسلمين كل توصيات القرآن. بوعي أو بغير وعي، يطبقون البعض ويلغون أخرى..

إن تبرير عدم المساواة في الميراث يتعارض مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات المسلمة

أما بالنسبة للفكرة، أن المرأة غير مسؤولة مالياً التي تتكرّر لتبرير عدم المساواة في الميراث، فهي تتعارض مع الواقع «الاقتصادي والاجتماعي لغالبية المجتمعات حيث تتحمل المرأة مسؤولية مالية حقيقية. فهي لا تشارك فقط في الاقتصاد المنزلي، بل هي في الكثير من الأحيان المسؤولة على الأسرة ودعمها المالي الوحيد، لا سيما في حالة الترمل أو الطلاق التي هي ظاهرة تزداد انتشارا. في هذا السياق الاجتماعي والاقتصادي الجديد، أصبحت صورة الأم التي تنفق فقط أموالها لتلبية احتياجاتها الشخصية خيالية لا علاقة لها بالواقع. من الصعب تخيل أم تحتفظ بمالها لنفسها عندما يكون أطفالها محتاجي “. رزيقة عدناني من كتابها الإسلام: تعطيل العقل. ص. 121 و 122. النبي محمد نفسه، عندما كان زوج خديجة، كان يعيش من مالها.في هذا السياق، أود أن أذكر حديث ينسب للرسول : ” تنكح المرأة لأربع مالها وجمالها وحسبها ودينها  فاظفر بذات الدين تربت يداك”. وفقا لهذا الحديث، فإن مال المرأة وثروتها اعتبار مهم في اختيار المرأة للزواج بها. وهذا يؤدي إلى السؤال التالي: إذا لم تساهم المرأة بمالها في رعاية أسرتها، فما الفائدة من أن يختار الرجل امرأة غنية؟ لماذا يتزوج امرأة غنية إذا كانت لا تساهم بممتلكاتها في رعاية أسرتها؟ إن الزواج من امرأة غنية أو فقيرة ليس فيه أي اختلاف إذا كانت المرأة تحتفظ بمالها لنفسها فقط. أذكر أن النبي نفسه، عندما كان زوج خديجة، كان يعيش من مالها الذي أنفقته من أجله وأسرهما.

هذا التذكير الصغير مهم لنبين أن حجة المعارضين لإلغاء حكم التوريث التمييزي لصالح الرجل وضد المرأة، بحجة أنه مذكور في النصوص القرآنية ليست مقنعة لأن قوانين أخرى كثيرة تم ذكرتها النصوص القرآنية و لم يمنع ذلك المسلمين من عدم تطبيقها ومن إلغاء بعض الآخر. والقرآن كتاب واحد. لا يمكن أن يكون لديه فلسفة لبعض لأحكام وفلسفة أخرى لأحكام القرآن. من المؤكد أن حجة الدين وحدها لا تفسر الجمود ورفض أي تغيير عندما يتعلق الأمر بالقواعد المتعلقة بالمرأة و لكن لأن الرجال يحتكرون السلطة دائما  ولا سيما في مجال الدين و استخدموها للحفاظ  على امتيازاتهم على حساب النساء ولا يريدون أي تغيير في الأمر. إذا كانت هناك من النساء من يدعمن هيمنة الذكورية فذلك لأن المهيمن عليه ينضم أحيانًا إلى المهيمن، غالبًا للحصول على بعض الامتيازات الشخصية، مما يعزز هيمنته عليه.

© Le contenu de ce site est protégé par les droits d’auteurs. Merci de citer la source et l'auteure en cas de partage.

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *