العراء، هل تعلم؟


هل تعلم؟
هل تعلم أن الإنسان يأتي إلى الحياة عاريا؟ هل تعلم أن العراء هو الحالة الطبيعة للإنسان الذي عاش آلاف السنين وهو عار قبل أن يعرف كيف يصنع لباسه؟ ليس لأن جسمه يمثل مشكلة بالنسبة له ولكن لكي يحميه من البرد وحرارة الشمس. هل تعلم أن الكثير من الشعوب كانت تعيش عارية أو شبه عارية في إفريقيا قبل أن تجتاح هذه القارة تلك الأفكار التي تختزل الإنسان إلى جسده؟ هل تعلم أن هناك إلى يومنا هذا شعوب تعيش عارية أو شبه عارية ولكنها ليست أقل أخلاقا من الذين يغطون كل أجسادهم؟ فأخلاق الشخص تحددها القيم التي يؤمن بها وليس مقدار غطاءه لجسمه.
هل تعلم أن في الماضي كان العراء عند الفلاسفة اليونانيين قيمة جمالية وأخلاقية حتى أنه كان قاعدة لا بد من احترامها للمشاركة في الألعاب الأولمبية مثلما يشرح ذلك السياسي والمؤرخ الأثيني توسديد [1]؟ هل تعلم أن “الفلاسفة العراة “كانوا يجتمعون للمناقشة والحديث بدون أي لباس يغطي أجسادهم و في الهند القديمة كان العراء عند الجمنوفيست [2]أسلوب حياة وفلسفة؟ كان الجسد العاري بالنسبة فلسفة يعني بها الشخص انفصاله عن الملذات السطحية لهذه الحياة الأرضية والمطالب الاجتماعية. فعلا عراة، البشر كلهم متساوون. فالملابس والمجوهرات المضافة إلى الجسد هي التي تميز الغني عن الفقير وتحدد المرتبة الاجتماعية والانتماء الديني والمهني. اليوم أيضا يتخلص الطبيعيون من الملابس كأسلوب حياة يقوم على احترام الجسد والطبيعة.
المسلمون يكرهون جسد المرأة
ليس ذلك موقف الكل من العراء. فكلمة عراة [3]“عند شيشرون [4](106 قبل الميلاد – 43 قبل الميلاد) تعني المحرومون من كل شيء والمعدمون وهي بذلك تدل على الضعف. في الجزائر كلمة “عريان” تستعمل للدلالة على الفقر والحرمان أيضا. موقف المسلمين المحافظين من العراء سلبي أيضا و لكن لأسباب أخرى. فهم يكرهون الجسد لأنهم يعتبرونه مصدر السوء والقبح والعار وعلى وجه الخصوص جسد المرأة. ولا يمر يوم واحد إلا ورفعوا صوتهم لمهاجمته وللتذكير بوجوب إخفاءه عن الأعين ليس في أفغانستان وإيران فقط بل في كل المجتمعات الإسلامية. في العربية السعودية يبكي الإسلاميون مباشرة على القنوات اليوتوب لأن جنيفار لرباز[5] كشفت عن مناطق من جسدها وحركته وهي ترقص في بلاد جعل فيه رجال الدين والإسلاميين غطاء جسد المرأة غايتهم القصوى في هذه الدنيا. في الجزائر، يفرض الأولياء في العديد من الأحياء الحجاب الذي يعطي كل الجسد الفتيات الصغيرات. وهي ظاهرة جديدة تبين الدرجة الكبير للتدخل السلفي المتشدد في المجتمع الجزائري. لا يهتم هؤلاء الأولياء بانعكاسات هذا الغطاء لجسد الفتيات على صحتهن. لأن الطفل، الذي لا يستطيع اللعب و يُحرم من ضوء الشمس و يزرع في نفسيته الشعور بالذنب لأن له جسد يعتقد أنه مصدر الشر لا يمكنه أن يزدهر سواء جسديا أو نفسيا. إذا بلغ المحافظين السلطة فأول قراراتهم السياسية التي يعلنون عنها هي التي تتعلق بإخفاء جسد المرأة مثلما فعل وزير الداخلية في ليبيا الذي أعلن رعبته في فرض الحجاب على كل النساء ابتداء من السن التاسعة وقبلهم فرض الطالبان في أفعنستان بمجرد عودتهم إلى الحكم تغطية جسد المرأة بكامله بما فيه صوتها. هذه الأحكام الكارهة للنساء لم يخترعها الطالبان بل هي من وضع رجال دين الذين عاشوا في القرون الأولى للإسلام، وهم ما يسميهم المسلمون “بالسلف الصالح” الذين يريدون تقليدهم إلى نهاية الدهر.
العراء
بالنسبة للمسلمين المحافظين المرأة التي لا تلبس الحجاب عارية. و بالتالي فمعناه أن كل جسد المرأة عندهم “عورة” أي لا ينبغي رؤيته و يجب إخفاؤه. ولأن المرأة لا وجود لها من دون جسدها، فإن وجود المرأة نفسها هو الذي يعتبره المتدينون عورة. في القاموس العربي كلمة “عورة” من فعل أساء، مرادفها سوءة، تعني ما يشير إلى الخطأ والقبح والفساد. هذا التصور السلبي للجسد يضع المسلمون في تناقض كبير مع دينهم ما دام حسب العقيدة الإسلامية أن الله الكائن الكامل هو الذي خلق الجسد، جسد المرأة وجسد الرجل. اعتبار الجسد خطأ وقبح وفساد وقلة حياء معناه أن الله أساء الفعل وأن ما خلقه فساد وقبح وقلة حياء. منطقيا وعقائديا، العمل القبيح أو المرتبط بالشر والفساء والفجور لا يمكن أن يصدر من الله بصفته كائنا كاملا. ثم إن القرآن نفسه يقول في الآية 4 من سورة التين 95 أن الله قد خلق الإنسان على أحسن صورة. إذا كان الأمر كذلك فما خُلق على أحسن صورة لا يمكنه إلا أن يكون جميلا والتالي لا يمكن أن نستحي منه.
يدعي المسلمون المحافظون ورجال الدين أن القوانين التي أحاطوا بها جسد المرأة والتي تتعلق بالعورة تستند إلى القرآن. فعلا فالآية 121 من السورة 20 سورة طه، تقول: “فلما أكلا من الشجرة المنهي عنها بدت لهما سوءاتهما (أي بدت لهما عوراتهما) وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة”. لكن هذه الآية من جهة لا تفرق بين جسد الرجل وجسد المرأة فيما تعتبره جزءًا من” عورة “الإنسان، ومن جهة أخرى يؤكد جميع المفسرين أن العورة التي سترها آدم وحواء بورق العنب هي الأعضاء التناسلية. فلماذا إذن قرر رجال الدين أن جسد المرأة كله عورة بما فيه صوتها؟ مع العلم أن الآية 59 من سورة الأحزاب التي تطلب من الرسول أن يقول للنساء بأن يلبسن جَلَابِيبِهِنَّ لا تقول لأن جسدهن عورة بل ليميزهن الرجال عن بقية النساء فلَا يلحقوا بهن الأذى مما معناه أن اللواتي لا يلبسن هذا الثوب يمكن للرجال إيذاءهن وهنا تكمن المشكلة الكبيرة. لأن الكثير من الرجال يعتقون فعلا أنهم لديهم الحق في إيذاء المرأة التي لا تلبس الحجاب و هو ما يفسر ظاهرة العنف ضد المرأة في المجتمعات الإسلامية.
رزيقة عدناني
[1] Thucydide
[2] Gymnosophistes
[3] Nudus
[4] Cicéron
[5] Jennifer Lopez