المفكر لا يوضع في السجن
المفكر لا يوضع في السجن، ولا يمنع عن الكلام بالعنف ولو لم نتفق معه لأنه روح المجتمع ومصدر ديناميكيته وحيويته. قد لا نتفق مع كلامه، قد لا تعجبنا أطروحاته ولكن لا يمكن أن نفكر لحظة في اسكاته بالعنف الجسدي أو المعنوي لأن ذلك سيسكت كل المفكرين أي كل الفكر. كيف تكون حالة المجتمع الذي ليس فيه مفكرين و مبدعين؟ إن حبس المفكر ومنعه عن الكلام معناه وأد المجتمع.
الباحث يبجل أذا أصاب ويبجل أذا أخطأ. يكفيه أنه يثير النقاش والبحث ويرغم الذين يعتقدون أنهم يملكون الحقيقة على إعادة النظر في معارفهم أو البحث عن حجج مقنعة للدفاع عنها.
إن الذي يحب الفكر، أجمل فما في الإنسان، يدافع أكثر على الفكر الذي يخالفه لأنه هو الذي يحفز لديه عملية التفكير ويدفعه إلى البحث. أجمل خصم للإنسان هو الفكر الذي يخالفه. لذلك فالفكر لا يقابل إلا بالفكر. الذين لديهم الحجة التي يدافعون بها عن فكرهم لا يخافون المناقشة والجدال. ألم يأمر الإسلام المسلمين أن يجادلوا بالتي هي أحسن؟ إن سعيد جاب الخير باحث والباحث بطبيعته أنه يقول كلاما جديدا أي كلاما لم يتعود عليه الناس وإلا لما كان باحثا. والكلام الذي لم يتعود عليه الناس نادرا ما يرضي الناس. من حق الناس أن يردوا عليه ولكن الفكر يرد عليه بالفكر.
“إن الله يرضى ان ينتقص حق من حقوقه ولا يرضى ان ينتقص حق من حقوق عباده”. ما أجمل هذه العبارة التي سمعتها من أحد أساتذتي وما انفعها للإنسانية جمعاء لو أن كل المؤمنين يفهمون معناها العميق ويطبقونها بكل اخلاص. إنها الأساس الذي ينبغي ان تقوم عليه جميع الديانات ويقوم عليها الإسلام. لو فهم معناها الذين يتهجمون على سعيد جاب الخير لما سكتوا عن كل حقوق الناس التي تنتقص ويشنون هجومهم على مفكر بحجة أنهم يدافعون عن الله ودينه. لأن الذي يلحق به الضرر إذا انتقصت حقوقه هو الإنسان أما الله فهو الكائن المطلق الغني عن كل شيء، يكفي نفسه بنفسه.
إن الفكر المبدع لا يترعرع إلا في جو الحرية الفكرية. والجزائر في مرحلة حاسمة من تاريخها تحتاج إلى كل مفكريها. يكفي أن ننظر حولنا لندرك أن الدول المتقدمة لم تتقدم إلا بمفكريها وذلك في جميع الميادين. ويكفي أن نسأل التاريخ ليقول لنا أن المسلمين بنوا حضارة رائعة لما كان الفكر حرا وكانت المجادلات و المناقشات تجرى في كل مكان وقضوا على تلك الحضارة لما اتهموا الفكر بالكفر وسجنوه وقتلوه.
ليست وظيفة الدولة حماية الله ولكن حماية حياة المواطنين وأمنهم واعراضهم. واجب الدولة أن تتدخل إذا كان هناك من يدعوا لقتل الناس أو يحرض منطقة ضد منطقة أخري. أما مسألة الله فهي ليست ملكا لأحد وليست ملكا للدولة. كل واحد له الحق في أن يبني علاقته بالله بالطريقة التي ترضيه وتستجيب لمطالبه النفسية والوجودية. وإذا كان هناك ما لا يرضي البعض فاليتذكوا هذه الآية
“يا أيها الذين آمنوا عليكم بأنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم” المائدة 105 إنها من الآيات التي يجب أن يقوم عليها إسلام المستقبل.
رزيقة عدناني