رزيقة عدناني في حوار مع جريدة الدستور المصرية : الغرب و الإسلام السياسيِ Entretien de Razika Adnani accordé au journal égyptien al-Doustour : L’Occident et l’islam politique
ِEntretien de Razika Adnani accordé au journal égyptien al-Doustour
قالت رزيقة عدنانى، الباحثة فى الفكر الإسلامى عضو المجلس التوجيهى لمؤسسة «إسلام فرنسا»، إن تجارب جماعة الإخوان الإرهابية، وغيرها من جماعات الإسلام السياسى، فى الحكم بدول الشرق الأوسط، كشفت عن عدم قدرتها على تسيير أمور الدول، وجعلت الناس يدركون الفارق بين الشعارات والعمل الميدانى. وأضافت الباحثة الجزائرية، فى حوارها مع «الدستور»، أن جماعات الإسلام السياسى لم تخدع الغرب، لكنها عرفت كيف تستخدم قيمه الأخلاقية والسياسية مثل الحرية والمساواة والديمقراطية لصالحها، كما أن مصالحها توافقت مع التيار اليسارى، وقبول المجتمعات الأنجلوساكسونية للطائفية باسم الحرية الفردية.
وأشارت إلى أن تنظيمات الإسلام السياسى تتلاعب بالكلمات، وتدعى الإيمان بالحريات والديمقراطية والدولة المدنية، لكنها فى الواقع تريد احتكار السلطة والعودة إلى نمط السلطة الدينية الثيوقراطية، مؤكدة أنه لا يمكن التصدى لذلك إلا عبر تجديد الإسلام، وفصل السياسة عن الدين،
■ بداية.. ما تقييمك لأفكار جماعة الإخوان وطريقة عملها فى العالم الإسلامى والغرب؟
إيديولوجية الإخوان تقوم على مبدأ أن الإسلام دين ودولة وعقيدة وعمل وعلى الإيمان بأن الحكم يجب آن يمارس باسم الدين وتطبيقا لقوانين السريعة. هذا التصور للدين الإسلامي هو الذي يتفق حوله غالبية المسلمين وبما في ذلك الحكومات. ولكن المشكلة أن الإخوان يعتبرون أنفسهم هم فقط من يعرف الإسلام الحقيقي أولا وثانيا يريدون أخذ السلطة لذلك فهم ينشطون كمنافسين وخصوم سياسيين للدول الإسلامية نفسها. كذلك ينشط الإخوان على المستوى العالمي. لأنهم تؤمنون أن العالم كله قبل ساعة القيامة يجب أن يكون مسلما أي أن الإسلام يجب أن يسود في العالم كله لهذا فهي منظمة ليس لها حدود جغرافية
حقوق المؤلف محفوظة. أي نشر يتطلب ذكر الكاتب و الموقع.
■ كيف نجحت هذه الجماعة فى اختراق المجتمعات فى دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة؟
– الإخوان وغيرها من جماعات الإسلام السياسى لم تغير أساليبها فى الغرب عما تمارسه فى الشرق، فهى تستخدم نفس الأساليب التى استعملتها دائمًا فى اختراق المجتمعات، وعلى رأسها بسط النفوذ على المدارس والمؤسسات التعليمية، لأن طفلة وطفل اليوم هما امرأة ورجل الغد. كما تنشط الجماعة فى السيطرة على وسائل الإعلام، مثلما رأينا فى سنوات الثمانينيات فى الجزائر، حيث كان الإخوان يسيطرون على التلفزة الوطنية، وإلى جانب ذلك فإنهم يخترقون الأحياء الفقيرة عن طريق الأعمال الخيرية ومساعدة المستضعفين ما يسمح لهم بتمرير أيديولوجياتهم.
ومن أساليبها أيضا التأثير على المرأة بصفتها نصف المجتمع ودعوتها إلى ارتداء الحجاب، رغم آن تغطية الشعر لم تذكر ولو مرة واحدة في القرآن وأن رجال الدين هم الذين قرروا بوجوب تغطية الشعر على غرار ما فعله القديس سان بول في القرن الأول الميلادي. و لكن الإخوان، مثل كل الجماعات التي تمارس الإسلام السياسي، ترى في الحجاب الراية الخارجية لانتصار مشروعهم السياسي لذلك فهم يركزون عليه. كذلك بالنسبة لحقوق المرأة فهم يؤكدون على ضرورة ضمانها ولكن يذكرون دائما أن ذلك يكون ضمن حدود الشريعة التي تقوم على مبدأ التناسب وليس المساواة أي لا تعطي للمرأة نفس الحقوق التي تعطيها للرجل. أول حق للمرأة آن تكون لها نفس حقوق الرجل أمام القانون.
ويعنى ذلك أن طريقة الإخوان وأفكارهم واحدة، لكن ما جدد فيه الإخوان هي اللغة التى يستعملونها، لا فى الغرب فقط ولكن فى المجتمعات الإسلامية نفسها، فكثير منهم يصرح اليوم بأنهم ديمقراطيون ويحترمون حقوق المرأة، لكن الحقيقة أنهم لا يعترفون بالديمقراطية بالمعنى الحقيقى لهذا المفهوم، وإنما يستعملونها وسيلة للوصول إلى الحكم. كذلك تقول الجماعات الإسلامية مثلما رأينا في الجزائر أنها تريد دولة “مدنية” ولكنها لا تعني الدولة المدنية بالمعنى الحديث وإنما تريد حاكما لا يكون من المنظمة العسكرية ولكن يمارس الحكم دائما بالاسم الدين والسلطة الحقيقية تكون في يد رجال الدين الذين يراقبون السلطة و يكون الحاكم نفسه يخضع لسلطة رجال الدين. مما يعيدنا إلى الحكم التيوقراطي الذي هو عكس الحكم المدني تماما.
■ ما الآليات التى استخدمتها الجماعة لخداع الغرب؟
– جماعة الإخوان وغيرها من جماعات الإسلام السياسى لم تخدع الغرب، لكنها عرفت كيف تستخدم قيمه الأخلاقية والسياسية مثل الحرية والمساواة والديمقراطية لصالحها، وهذا ما فعلته فى فرنسا مثلًا. أقول لم يخدعوا الغرب لأنهم صرحوا في مناسبات عديدة أنهم لا يؤمنون بهذه القيم الأخلاقية والاجتماعية الغربية ولكنهم يستفيدون منها لترسيخ ايديولوجياتهم وسياستهم في الغرب.
المشكلة هى أن الغرب، وتحديدًا التيار اليسارى فيه، لم يرد أن يرى ذلك، فهو تحت اسم مساعدة المستضعفين ساعد جماعات الإسلام السياسى على حساب المجتمعات الغربية وقيمها. وكذلك، فإن قبول العالم الأنجلوساكسونى للطائفية باسم الحرية الفردية ساعد الإخوان بشكل كبير على القيام بأنشطتهم باعتبارهم يمثلون المسلمين. ويجب ألا نغفل حقيقة أن المجتمع الأوروبى، من أجل مواجهة مشكلة شيخوخته وبحثًا عن توفير اليد العاملة الرخيصة، استورد شبابًا من دول الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، وكثير من هؤلاء الشباب هاجر إلى الغرب وهو متشبع بأفكار الإسلام السياسى السائد فى المجتمعات الإسلامية.
■ هل هذا ما ساعد رموز الإخوان مثل طارق رمضان على التسلل للنخب الغربية؟
– طارق رمضان، حفيد مؤسس الإخوان حسن البنا، يزعم أن هناك إمكانية لقيام إسلام غربى خاص فى أوروبا، ويقول إن الدين الإسلامى يتلاءم مع الحداثة والحضارة الغربية، ويدعى أنه يريد إصلاح الإسلام وتجديده، ما جعل وسائل الإعلام الفرنسية تمنحه مساحة كبيرة للحديث، وهو ما وظفه لخدمة أغراض التنظيم. كان طارق ومضان يقول بإمكانية قيام إسلام غربي خاص بالغرب و أن الدين الإسلامي لا يشكل أية مشكلة بل هو قابل لتلائم مع الحداثة والحضارة الغربية فوجد في الغرب و خاصة وسائل الإعلام الوسيلة التي يواجه بها مخاوف المجتمع من الإسلام. وطارق رمضان كان يدعي انه يريد إصلاح الإسلام وتجديده مثلما مما جعل الكثير من الإعلام الفرنسي يعطي له الكلمة. و طارق رمضان لم يعمل على أي إصلاح وإنما كانا فقط يتلاعب بالكلام مثما نلاحظ في كتابه “الإسلام الإصلاح الراديكالي”.
في الحقيقة الإسلام مثلما يتصوره ويفهمه ويطبقه الغالبية الكبرى للمسلمين هو اسلام تقليدي مبني على السلفية وبالتالي فهو منطقيا لا يمكنه أن يتلاءم مع الحضارة الغربية وقيمها العصرية.
■ فى تقديرك.. أترين أن جماعات الإسلام السياسى تعانى من الضعف حاليًا بعد فضح أهدافها وأجنداتها فى الشرق الأوسط وسقوطها فى تونس والمغرب مؤخرًا؟
– السبب الأول الذى جعل جماعة الإخوان، وغيرها من جماعات الإسلام السياسى، تضعف هو انتشار صور المجازر والأعمال الإرهابية التى قامت بها عناصرها فى الشرق الأوسط وأوروبا، خاصة بعدما أوصلت بعض وسائل الإعلام العالمية ومواقع التواصل الاجتماعى تلك الحقيقة الواقعية للجمهور، ما جعل المسلمين أنفسهم يسحبون الثقة من هذه الجماعات.
أما السبب الثانى، فهو أن تقنيات التواصل الاجتماعى الحديثة مكنت الخطاب الناقد للإسلام السياسى من التعبير عن نفسه، وهو ما يختلف عما كان سائدًا فى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، عندما كانت الجماعات تسيطر عليها بضمان من الحكومات نفسها. في الجزائر مثلا التلفزيون الجزائري الوحيد في ذلك الوقت لم يعط الكلمة لأركون وكل من كانت له أفكار قريبة من أفكار أركون وفي نفس الوقت جعلت القناة في يد القرضاوي ومحمد الغزالي ومحمد عروة وغيرهم كثيرون. وقد كان ذلك سبب من الاسباب الرئيسية في انتشار الفكر الإخوان في الجزائر.
السبب الثالث هو أن وصول جماعات الإسلام السياسى إلى السلطة فى عدة دول، وعدم قدرتها على تسيير أمور الدول، جعل الناس يدركون أن الإخوان والجماعات المتربطة بها ليست الحل للأزمات السياسية والاجتماعية، وأدركوا أيضًا أنه لا يكفى القول إن «الإسلام هو الحل» لتحل كل المشاكل، فهناك فارق كبير بين الشعارات والعمل فى الميدان.
■ كيف تقيمين الإجراءات التى اتخذها بعض دول الغرب لمواجهة نفوذ هذه الجماعات؟
هي إجراءات من طابع سياسي لها تأثير على المدى القريب وليس البعيد كالإجراءات التي اتخذتها فرنسا هذه السنة هي القيام بوضع قانون ضد الانفصالية المعروف بقانون تدعيم مبادئ الجمهورية وطلبت المؤسسات الممثلة للمسلمين بتوقيعها. هذه الإجراءات لا شك أنها ضرورية ولكنها لا يمكن أن تعطي النتائج المرجوة وعلى المستوى البعيد إذا لم يكن هناك عمل داخل الإسلام نفسه. هذا العمل الذي لابد آن يقوم به المسلمون أنفسهم وذلك عن طريق إعادة النظر في فهمهم وتطبيقهم للدين وعلاقتهم بالنصوص الدينية وعلاقتهم بالآخر لأن هنا تكمن المشكلة في الحقيقة. إذا كان المسلمون مازالوا يؤمنون بنظرية النقل و كأن الفكر آلة تصوير تصور المعنى الموجود في النص الأصلي و تنقله إلى كتب التفسير بحيث يكون التفسير و النص الأصلي، أي أن كلام الله و كلام الإنسان، متطابقان تماما، وبالسلفية التي تعتقد أن السلف قد بلغوا الحقيقة المطلقة وكأنهم يشاركون الله في علمه وإذا كانوا يقحمون الدين في أمور السياسة إلى درجة انهم أفرغوه من محتواه الروحي فإن المشكلة الإسلام السياسي لا يمكن أن تحل لا في الغرب ولا في الدول الإسلامية
إن الإسلام السياسي المعروف ب L’islamisme
مصطلح ظهر في سنوات السبعينات والذين استعملوه لأول مرة هم المفكرون الفرنسيون لذلك فالإسلام السياسي عبارة مستوردة، و لم يكن يعرفها المسلمون لأنهم لا يفصلون الإسلام عن السياسة. الإسلام هندهم سياسي بطبيعته و لا يوجد في تصورهم اسلام و اسلام سياسي.
لكن الفرنسيون استعملوا مصطلح L’islamisme
للإشارة إلى كل الجماعات التي تنشط باسم الدين الإسلامي من أجل الوصول إلى الحكم. كانت رغبتهم هي تمييزها عن بقية المسلمين وعن الدين الإسلامي الذي يعتبرونه دينا أي حياة روحية وليست سياسة. في الحقيقة إن الإسلام لا ينفصل عن السياسة منذ فترة المدينة حيث اسس الرسول الدولة الإسلامية الأولى وكان يجب تنظيمها حينها اخذت الكثير من الآيات القرآنية طابع قانوني وبالتالي سياسي. الجزء السياسي في الإسلام يتمثل في القوانين التشريعية لأن تنظيم المجتمع ينتهي إلى ميدان السياسة.
إن أغابية الدول ذات الغالبية الإسلامية تعلن في دساتيرها أن الإسلام دين الدولة أي أنها لا تفصل بين الدين والسياسة. بل تمارس السياسة باسم الدين الذي يعطي لها مشروعيتها. فالمغرب الأقصى يؤكد أيضا في مقدمة دستوره انه دولة إسلامية وتونس تضيف في مقدمة دستورها أنها تحترم تعاليم الإسلام. ليس هذا فقط فأغلبية الدول الإسلامية تستمد الكثير من قوانينها التي تتعلق بالأسرة خاصة من الشريعة. مصر تؤكد في دستورها أن الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع. لهذا فكل هذه الدول تستعمل الدين لممارسة السياسة و هذا هو الإسلام السياسي. لهذا فالدول الإسلامية أخذت إجراءات لمحاربة الإرهاب السياسي و الجماعات، التي تستعمل الإسلام السياسي لبلوغ الحكم، وليس الإسلام السياسي.
■ هل يمكن لتلك الجماعات أن تستعيد نفوذها فى البلدان التى لفظتها أم أنها ستتوجه لدول جديدة لنشر أجندتها؟
– ما دام الحل لا يتعدى المستويين السياسى والأمنى، فإنها بالتأكيد ستعود، فلا يجب أن ننسى أن الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر واجه الإخوان فى مصر، لكنه لم يقض عليهم، لأن الحلول السياسية لا تقضى على وجود الجماعة اجتماعيًا وفكريًا، لذا ستكون هناك دائمًا فرصة لعودة الجماعات التى تريد الوصول إلى الحكم عن طريق استعمال الدين، سواء الإخوان أو غيرها من جماعات الإسلام السياسى.
■ ما مقترحاتك للتصدى لذلك؟
– لا يمكن وقف نفوذ الإخوان وجماعات الإسلام السياسى فى الغرب إذا لم يكن هناك حل لهذه التنظيمات فى العالم الإسلامى، وسبق أن قلت ذلك فى فرنسا، عندما أعلن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون عن رغبته فى إصلاح «إسلام فرنسا»، مع العلم بأن ما أراده فعلًا هو إصلاح الشئون الإدارية للإسلام فى فرنسا، وليس الإسلام نفسه. وعلى ذلك، يجب إصلاح الخطاب الدينى وتجديده لينظر إلى المستقبل لا إلى الماضى، مع بناء إسلام جديد من نفس النصوص يكون متكيفًا مع القيم الجديدة للعصر الذى نعيش فيه، فلا شىء يمنع ذلك، ولا شىء يقول إن الأولين امتلكوا الحقيقة المطلقة.
ولا بد أيضًا أن يكون الفصل بين السياسة والدين هو إحدى غايات هذا التجديد، لأن ذلك هو ما يجعل السياسة سياسة وليست دينًا، ويجعل الإسلام دينًا وليس سياسة، وهذا الفصل هو ما يمكن الدولة من تحقيق أهدافها كدولة عصرية، فمن مصلحة الإسلام أن يتحرر من السياسة التى تستخدمه، حتى يعود دينًا يستجيب لحاجات الإنسان الروحية، وليس لرغباته فى السلطة السياسية أو الاجتماعية، لأن الجماعات التى تستخدم الإسلام لأغراض سياسية أو اجتماعية غايتها ليست الدين ولا الله، ولكن السلطة.
والمشكلة هنا هى أن فكرة فصل الدين عن السياسة تخيف كثيرًا من الناس الذين يعتقدون أن الدين يحتاج إلى سلطة الدولة كى تحميه، وما يغفلونه هو أن الدين يقوم على الإيمان الذى هو قناعة داخلية وشخصية بحتة، والدولة لا يمكن أن تحميه لأنها لا تستطيع أن ترغم الإنسان على الإيمان، مثلما لا يمكنها أن تمنعه عنه إذا أراد أن يؤمن. وعندما يحتاج الدين إلى الدولة، التى هى قوة خارجية، كى تحميه، فمعنى ذلك أنه لم يعد دينًا بل أصبح سياسة، كما أن هذه الفكرة تتعارض مع النصوص الدينية التى تدعو إلى حرية الفرد فى الإيمان وعدم الإيمان.
أجرى الحوار هالة أمين