رزيقة عدناني: “على المسلمين الانخراط في الحداثة بدل مطالبة الآخرين بالتخلي عنها “MDC مونتي كارلوا الدولية
أعادت أسبوعية “شارلي إيبدو” الفرنسية الساخرة نشر رسوم كاريكاتيرية عن النبي محمد في عددها الصادر الأربعاء 2 أيلول 2020 تزامنا مع انطلاق محاكمات تاريخية لمتورطين في الاعتداء الإرهابي الذي ضرب مكاتبها في كانون الثاني 2015 وأدى الى مقتل 12 من أعضاء هيئة تحريرها. توالت ردود الفعل بعد ذلك وكان من أبرزها مؤسسة الأزهر المصرية التي أدانت نشر الرسوم ووصفته بـ”العمل الإجرامي”.
في نص نشرته مجلة “ماريان” الفرنسية، تعود الفيلسوفة والباحثة في الفكر الإسلامي رزيقة عدناني إلى قضية الرسوم وإدانة “الأزهر” وتشير إلى مسؤولية تقع على عاتق الزعماء الدينيين بسبب الإصرار على عدم تغيير خطابهم. ورغم أن بيان “الأزهر” أدان هجمات عام 2015 الإرهابية، إلا أن رزيقة تتساءل عن جديّة تلك الإدانة في وقت يتم فيه اعتبار نشر الرسوم “جريمة” وعن المسؤولية في محاربة العنف في حين يطلب من المرء التخلي عن قيم بلاده كشرط لتحقيق .السلام والأمان
“في بيان صدر يوم الأربعاء، 2 أيلول 2020، رد مرصد الأزهر، أعلى مؤسسة في الإسلام السني، على الإصدار الجديد لرسوم شارلي إيبدو ووصفه بأنه جريمة. بالنسبة له، فإن الرسوم تسيء لنبي الإسلام وتزيد من حدة الاستياء الديني بين المسلمين. وحث الأزهر المجتمع الدولي على اتخاذ موقف حازم ضد الاعتداءات على رموز الإسلام المقدسة. وبالطبع، أدان بيانه الصحفي هجمات 2015.
لكن ما الفائدة من القيام بذلك إذا كان الأزهر يعتبر نشر الرسوم من جديد “جريمة” ويمنح بالتالي شرعية للمجزرة؟ كيف يمكننا أن نحارب العنف إذا كنا نعتقد أن الظالم هو الآخر دائماً وإذا طالبناه أن يتخلى، في بلده، عن قيمه كشرط لتحقيق السلام؟.
إخفاقات المؤسسة الدينية
عندما نشعر بالرغبة في التغيير والتطور، نستخدم كل ما لدينا لإيجاد الحجج التي تسمح لنا بالقيام بذلك. من خلال هذا البيان لا يبذل مرصد الأزهر أي جهد لتهدئة النفوس. وإلا لأخبر المسلمين أن اللجوء إلى العنف للدفاع عن نبيهم ليس ضرورياً إذا كانوا مقتنعين بمميزاته. كان بإمكانه أن يخبرهم أن هذه الرسوم لا يمكنها أن تهز إيمانهم أو تجعلهم يشعرون بالتهديد إذا كانوا متأكدين من مشاعرهم تجاه النبي. كان بإمكانه أن يخبرهم أن ذلك لم يكن هجوماً على الإسلام، لأن “شارلي” تقدم رسوماً كاريكاتيرية عن الديانات التوحيدية الثلاث.
كان بإمكانه، باعتباره مؤسسة دينية، أن يذهب أبعد من ذلك ويقول للمسلمين الذين يستمعون إليه أنهم لن يضطروا للدفاع عن النبي، لأن الله هو الذي يحميه كما هو محدد في الآية 196 من سورة الأعراف” “إن ولييّ الله”. والـ”ولي” يعني الحليف والحامي، بحسب تفسير القرطبي والطبري. نفس الشيء بالنسبة للقرآن. تقول الآية 9 من سورة الحجر: “إنا نحن أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون”. لماذا لا تقوم المؤسسات الدينية بإبراز هذه الآيات لتقديم خطاب حقيقي عن السلام ومكافحة العنف؟ طبعاً هناك آيات أخرى تحرض على العنف. ومع ذلك، عندما نكون في موقف المؤيد للسلام والحب للآخر، وعندما نشعر بالرغبة في التغيير والتطور، فإننا نستخدم كل ما لدينا لإيجاد الحجج التي تسمح لنا بالقيام بذلك.
كان بإمكان المؤسسات الدينية أن تتذكر الآية 105 من سورة المائدة التي توصي بوضوح كل مسلم أن يهتم بشؤونه الخاصة: “يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم إلى الله”. كان بإمكانها استخدامها كدعم لدعوة المسلمين إلى احترام مبدأ الحرية الفردية، التي تعد حرية التعبير جزءاً منها.
المشكلة أن هذه الآية تندرج في إطار ما يغفله المسلمون أو ينسون وجوده. لم يحذفوها من القرآن، لكنهم لا يتحدثون عنها، ولا يشرون إليها، لأنها تناقض آيات وأحكاماً أخرى مثل تلك التي توصي بـ”الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” والتي يستعملها المسلمون لعدم قبول فكرة الحرية الفردية. بل إن الخطاب الديني يفضل الحديث النبوي الذي يوصي فيه النبي كل شخص بالتدخل حين يرى منكراً ليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
الإسلام والحداثة.
ومع ذلك، هناك سؤال يطرح نفسه، إذا كان الأمر مسألة إختيار، فلماذا لا يقوم اليوم المسلمون باختيارات أخرى ؟ لماذا لا يختاروا الآيات التي تسمح لهم بالعيش وفقاً لقيم الحداثة وبانسجام جيد مع الآخرين؟ حتى لو تطلب ذلك إعادة تفسير تلك الآيات على ضوء القيم الجديدة؟ ولماذا لا يعلنون إبطال أحكام الآيات التي تسبب المشاكل،ما دام هذا ممكن ما دامت ممارسته معروفة في الإسلام؟.
لقد ولدت الحداثة، التي تشكل حرية التعبير أساساً لها، في الغرب بالتأكيد، لكنها إنجاز للإنسانية ودلالة على تطورها ونضجها. لذلك فإن على المسلمين أن يتجهوا نحو هذه الحداثة بدلاً من مطالبة الآخرين بالتخلي عنها.
هدفي هو إثبات أن المشكلة لا تكمن في النصوص بقدر ما تكمن في الافتقار التام للإرادة لدى الخطاب الديني للتغيير أو التطور. لا يمكن لأي نص إجبار أي شخص على القتل إذا كان لا يريد القتل. البشر قادرون على السيطرة على أفعالهم. وبالتالي، إذا كانت لدى المسلمين الرغبة، لأن الإرادة تنبع من الرغبة في إصلاح الإسلام وتكييف خطابهم وسلوكهم مع الظروف الجديدة والقيم الإنسانية، بإمكانهم إيجاد عناصر تسمح لهم بإضفاء الشرعية على عملهم بما في ذلك داخل القرآن نفسه.
في مواجهة العنف، لا يكفي القول إن الإسلام يندد به. يجب أن نعترف بوجود نصوص تدعو إليه ثم نعلن أن الزمن قد عفا عليها ، كما أنه لا يكفي أن نطلب من المسلمين في فرنسا أن يتجاهلوا رسوم “شارلي” الكاريكاتورية كما يفعل “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية”. ورغم أن تلك بالتأكيد طريقة مهمة للعمل على منع أعمال العنف، لكن علينا أن نتمسك بمبدأ حرية التعبير كقيمة يشكل حق التجديف جزءاً منها. الالتزام بها لا يعني الموافقة على كل ما يقال أو يتم القيام به باسمها، فذلك ضد هذه الحرية نفسها، بل الدفاع عن حرية التعبير حتى يتمكن الجميع من التعبير عن أفكارهم. حرية التعبير هي مواجهة بين الأفكار وليس بين الناس.
ما الذي يمنع هذه الرغبة من أن تبرز نفسها؟ هل هو الخوف من أن الانخراط في الحداثة؟ أي الاعتراف بالغرب كحامل للقيم بينما يتم بناء الخطاب الديني من أكثر من قرن على شيطنته؟ هل لأنها تحمل في طياتها خطر تدمير رغبة أخرى لدى المسلمين في نشر الإسلام، الأمر الذي من شأنه أن يفسد فكرة أن البشرية جمعاء ستصبح مسلمة في آخر الزمان؟ هل لأن الفكر غير قادر على تحرير نفسه من الماضي؟ هذه بالفعل عقبات نفسية قوية يجب التغلب عليها.
La version originale du texte publié par Marianne.
Razika Adnani – Charlie Hebdo : “Face à la violence, il ne suffit pas d’affirmer que l’islam la dénonce”.